كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقد وصف اللّه تعالى ملاك السفينة، بأنهم مساكين يعملون في البحر وأنه مأخوذ من السكون.
وبالجملة: الفقر في ظاهره أدل على الحاجة من المسكنة، لأن المسكين إنما يدل حاله على الحاجة من حيث المعنى، وهو التخاضع الذي هو دليل الحاجة لا من حيث اللفظ، والفقر عبارة عن الحاجة.
ومن جعلهما صنفا واحدا، قال لا فقير إلا ويحسن أن يسمّى مسكينا.
وللفقراء مراتب لا تنحصر في مرتين أو ثلاثة أو أربعة، والذي يعددها ينظر إلى العطف ومعناه، وذلك يقتضي الفرق بينهما، فيقال:
الفقير هو الشديد الحاجة مع التعفف، والمسكين هو المظهر لحاجته بالمسألة.
ولعل من جعل الفقير هو الزمن، فلأن الزمانة تقعد عن الطلب، ومن جعل المسكين الصحيح فلتمكينه من الطلب.
واعلم أن مطلق الفقير ليس فيه شرط وتقييد، بل فيه دلالة جواز الصرف إلى ذوي القربى من بني هاشم وغيرهم، ولكن السنة وردت باعتبار شروط، منها أن يكون من بني هاشم. وروي عن أبي يوسف جواز صرف صدقة الهاشمي إلى الهاشمي.
ومن شرائطه ألا يكون كسوبا مقدار كفايته، فإنه عليه الصلاة والسلام قال: «لا تحل الصدقة لغني، ولا لذي مرة سوي».
والظاهر يقتضي جواز ذلك، لأنه فقير مع قوته وصحة بدنه، وبه قال أبو حنيفة وأصحابه.
ومن شرائطه: أن يكون ممن لا تلزم المتصدق نفقته، ولكن هذا الوجه يحرم الزكاة للفقر لا للغرم أو غيره من الصفات.
واختلفوا فيما به يخرج عن كونه فقيرا، فقال قوم: بألا يملك نصابا.
وقال قوم: إنه لا يتحدد ذلك، ويختلف باختلاف أحوال الناس، فمنهم من يكثر وجوه حرجه، فيعد فقيرا مع ملك نصب كثيرة، وربما احتاج في يوم إلى نصاب، فهذا يعد فقيرا، وهو أقرب إلى الظاهر، وهو مذهب الشافعي رحمه اللّه تعالى.
واختلفوا في أنه هل يدفع له مقدار أم لا؟
فقال بعضهم: لا يجوز أن يدفع إليه أكثر مما يصير به غنيا.
وقال آخرون: يجوز، وهو الأليق بالظاهر، فإنه تعالى جوز وضع الصدقة في الفقير ولم يفصل.
واختلفوا في هل استحقاق الصدقات كلها بالفقير والحاجة فقط، أو بذلك مع غيره.
فمنهم من قال بالوجه الأول، وزعم أن اللّه تعالى إنما ذكر الأصناف لاختلاف معنى الحاجة فيهم، فأكد ذلك وبينه، وإلا فالوجه الذي لأجله يجوز وضع الصدقة فيهم واحد، على ما قاله عليه الصلاة والسلام، وردها في فقرائهم.
فبين أن الاستحقاق بهذا الوجه الواحد.
وأما العاملون، فإنهم يأخذون من جهة الفقراء لا من جهة رب المال، إلا أنه لا يدفع إليهم إلا أجرة سعيهم، فهم كالوكلاء للفقراء، ومنهم يأخذون هذا السهم. وكذلك الجواب عن المؤلفة، حيث كانت، لأنهم مع الغنى كانوا يأخذون لإعزاز الدين.
ومن قال بالقول الثاني قال: إن الغارم قد يأخذ مع الغنى، وكذلك ابن السبيل، وكذلك الغازي.
والأقرب إلى الظاهر هذا القول، فإن اللّه تعالى ذكر هذه الأصناف، فإن أراد المريد بالحاجة أنه لابد منها في جميعهم على بعض الوجوه فصحيح، فإن العامل وإن كان غنيا، ففي صرف أجرته إليه تقوية لأمر الصدقات، فالحاجة إليهم ماسة، وفي الصرف إلى المؤلفة قلوبهم تقوية الإسلام، فالحاجة واقعة، وكذلك الغارم بالديات، تمس الحاجة إليه لتسكين الفائزة، وتطفية الفتنة.
وقد استدل قوم في نصرة قول الشافعي ومذهب أبي حنيفة، على أن ذكر العامل يدل على وجوب دفع الزكاة إليهم، وأنه لا يجوز أن يفرق بنفسه، وهذا فيه نظر، لأن ذكرهم يتضمّن أنهم إذا كانوا أعطوا نصيبهم، فأما إذا لم يكونوا فلا، وليس في الظاهر أنه لابد منهم، كما أنه ليس في الظاهر أنه لابد من رقاب وغارم ومؤلفة.
فأما المؤلفة، فقد قيل كان ذلك وزال.
وقد قيل: للإمام أن يتألف قوما إذا رأى في تأليفهم صلاحا للمسلمين، لما فيه من دفع ضررهم أو الضرر بمكانهم، فله أن يدفع إليهم سهم المؤلفة قلوبهم، فإن اللّه تعالى لم يخص وقتا دون وقت.
وأما الرقاب، فقد اختلف فيه.
فقال قائلون أراد به العتق، وهو قول ابن عباس، وكان لا يرى بأسا أن يعطي الرجل من زكاته في عتق رقبة، وهو قول الحسن.
وقال الأكثرون: المراد به المكاتبون، وهو قول إبراهيم وسعيد بن جبير والشعبي وغيرهم، وعلل سعيد بن جبير وقال: لا يعتق من الزكاة مخافة جر الولاء.
وذكر علي بن موسى القمي أنهم أجمعوا على أن المكاتب مراد، واختلفوا في عتق الرقاب، وذكر هو وجوها بينة في منع ذلك.
منها: أن العتق إبطال ملك وليس بتمليك، وما يدفعه إلى المكاتب تمليك، ومن حق الصدقة ألا تجري إلا إذا جرى فيها التمليك، وقوى ذلك بأنه لو دفع الزكاة عن الغارم في دينه من غير إذنه، لم يجزه من حيث إنه لم يملك، فلأن لا يجزى ذلك في العتق أولى.
وذكر أن في العتق جرّ الولاء إلى نفسه، وذلك لا يحصل في دفعه إلى المكاتب.
وذكر أن ثمن العبد إذا دفعه إلى العبد لم يملك، وإن دفعه إلى السيد فقد ملكه الغنى، وإن دفعه بعد الشراء والعتق، فهو قاض دينا، وذلك وذلك لا يجوز في الزكاة.
وأما حق الغارمين، فقد قيل هو المستدين من غير سرف ولا وفاء في ماله بدينه، وروى قريب من ذلك عن ابن عمر وعائشة، وروى علي بن موسى القمي بإسناده عن الحسن بن علي أنه قال:
أن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة:
لذي فقر مدقع، ولذي غرم مفظع، ولذي دم موجع، وعلى هذا إذا تحمل مما له فيها مصلحة للمسلمين.
وروي عنه صلّى اللّه عليه وسلّم في حديث قبيصة بن مخارق أنه قال:
تحملت حمالة فأتيته صلّى اللّه عليه وسلّم فسألته فقال: «يؤديها عنك إذا جاءت نعم الصدقة». ثم قال: «أما علمت أن المسألة لا تحل إلا لثلاثة:
رجل تحمل حمالة فحلت له المسألة حتى يصيب قواما من عيش أو سدادا من عيش.
ورجل أصابته فاقة وحاجة حتى تكلم ثلاثة من ذوي الحجر من قومه، فحلت له المسألة، حتى يصيب سدادا من عيش أو قواما من عيش ثم يمسك»
.
فدل قوله من تحمل حمالة، أن المسألة تحل له حتى يؤدي ثم يمسك، على أنه غني، لأنه لو كان فقيرا لم يلزمه أن يمسك، بل كان يحل له أن يسأل لفقره.
وظاهر الغارم يتناول الغارمين كلهم.
وقوله: {وفي سبيل اللّه}: قد قيل، إن المراد به الغازي وإن كان غنيا وقيل: هذا يختص بالفقير.
ومنهم من يقول: إن كان مستغنيا بالفيء ولم يعط، وإلا أعطى.
والظاهر أنه الغازي، وأنه لا فرق بين أن يكون محتاجا أو معه من الفيء ما يحرم أخذ الصدقة، لأنه يحتاج لعدة جهاده وتقوية قلبه، إلى ما لا يحتاج إليه غيره، فصرف الصدقة إليه جائز والحالة هذه.
وقد روي أنه عليه الصلاة والسلام قال: «لا تحل الصدقة لغني إلا في سبيل اللّه».
وهذا موافق للظاهر.
وفي رواية: لا تحل الصدقة لغني إلا في سبيل اللّه وابن السبيل.
وابن السبيل يأخذ الزكاة مع غناه، وقد قيل: هو مختص بمن يوجد مسافرا.
وقد قيل: يلحق به من يهم بسفر لا يضره تركه.
قوله تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ} [الآية: 65]:
فيه دلالة على أن اللاعب والخائض سواء في إظهار كلمة الكفر على غير وجه الإكراه لأن المنافقين ذكروا أنهم قالوا ما قالوه لعبا، فأخبر اللّه تعالى عن كفرهم باللعب بذلك.
ودل أن الاستهزاء بآيات اللّه تعالى كفر.
قوله تعالى: {جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ}.
روى ابن مسعود أنه قال: «جاهدهم بيدك، فإن لم تستطع فبلسانك، فإن لم تستطع فاكفهر في وجوههم».
وقال ابن عباس: جاهد الكفار بالسيف، والمنافقين باللسان.
قوله تعالى: {يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ ما قالُوا وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ} [الآية: 74]:
والذي قالوه من كلمة الكفر قول الخلامس بن سويد بن الصامت: إن كان ما جاء به محمد حقا لنحن شر من الحمير.
وقول عبد اللّه بن أبي في قوله تعالى: {لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ}، وفيما قص اللّه تعالى علينا من نبأ المنافقين مع استيعابهم، دليل على أن توبة الزنديق مقبولة إذا لم يظهر الكفر.
قوله تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ} [الآية: 75].
ذكر ابن عباس في سبب نزول هذه الآية، أن حاطب بن أبي بلتعة أبطأ عنه ماله بالشام، فحنف في مجالس الأنصار، إن سلّم ذلك لأتصدق منه، ولأصلن منه، فلما سلم بخل بذلك، وهذا نذر التبرر المتفق عليه.
وقيل نزل ذلك في شأن المنافقين الذين عاهدوا ثم أخلفوا.
واستدل به قوم على أن من حلف إن فعل كذا، فعلي كذا للّه تعالى، أنه يلزمه.
وظاهر الآية لا يدل عليه، لأنه ليس بنذر، ولا قصد فعله، ولا إنه مما يقال فيه: لئن آتانا من فضله.
وقد استدل به على أن من قال إن آتاني اللّه مالا تصدقت به وفعلت وصنعت.
قوله تعالى: {فَأَعْقَبَهُمْ نِفاقًا فِي قُلُوبِهِمْ}: يحتمل أن يكون ذلك من اللّه تعالى، ويحتمل أن يكون بعض المعاصي داعيا إلى البعض، فكأن البخل أعقب النفاق.
وأبان به إن بعض الأفعال قد تكون لطفا في بعض، وبعضها فسادا في بعض.
وقد يدل ذلك على أن الذي عاهد لم يكن منافقا من قبل.
فأعقبهم نفاقا. ثبتوا عليه إلى الممات، وهو معنى قوله إلى يوم يلقونه.
قوله تعالى: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ} [الآية: 80].
كلمة {أو} هاهنا ليست للتخيير، لأن التخيير، لا يصح مع قوله: {فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ}.
وذكر السبعين كالمبالغة، مثل قول القائل: لو سالتني مائة مرة ما أجبتك. ولا يكون المراد به التحديد، وذلك معلوم من الفحوى.
ويدل عليه، أنه علل بأنهم كفروا باللّه، والعلة قائمة بعد السبعين، فظهر أن ذلك ليس بتخيير، بل هو منع من الاستغفار.
وروي في بعض الأخبار أنه عليه الصلاة والسلام قال في هذه الآية: خيرني ربي، والصحيح الأول.
قوله تعالى: {وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَدًا} [الآية: 84].
وكان قد صلّى على عبد اللّه بن أبي، بناء على الظاهر من لفظ إسلامه، وأما لأنه لم يعرف نفاقهم، ثم لم يكن يفعل ذلك لما نهي عنه.
قوله تعالى: {ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} [الآية: 91].
يحتج به في إسقاط الضمان عن قاتل البهيمة الصائلة.
وقوله تعالى: {السَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ} [الآية: 100]
يدل على تفضل السابق إلى الخير على التالي، لأنه داع إليه بسبقه، والتالي تابع له، فهو إمام له وله أجر مثله، كما قال صلّى اللّه عليه وسلم: «من سن سنّة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، ومن سن سنة سيئة»، الحديث.
قوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً} [الآية: 103] الأكثرون من المفسرين، على أن المراد بالآية الصدقات الواجبة في الأموال، وليس في الآية بيان مقدار المأخوذ ولا المأخوذ منه، وليس في الآية بيان شروط معتبرة في المأخوذ منه، ولا معتبرة في المأخوذ، ولا شروط في المؤدي، ولا شروط في الآخذ:
قوله تعالى: {تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها}.
يدل على أن اللّه تعالى جعل الزكاة تطهيرا، ودعاء رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم طمأنينة لقلوبهم، وعلما على أن اللّه تعالى غفر لهم، فإنه لا يصلي على قوم إلا أن يؤذن له في ذلك، ولا يؤذن له في ذلك إلا أن يكون مغفورا له.
قوله تعالى: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الآية: 107]
يدل على أن الأفعال تختلف بالقصود والإرادات، ولذلك قال:- {وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنا إِلَّا الْحُسْنى}، وإن الذي اتخذ لقصد التفريق بين المؤمنين لا تحل به حرمة، ولذلك قال: {لا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا}، وأمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بهدمه.